كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله: {لا شرقية ولا غربية} أي ليست شرقيه وحدها فلا تصيبها الشمس إذا غربت ولا غربية وحدها فلا تكون الشمس بالغداة، إذا طلعت بل مصاحبة للشمس طول النهار تصيبها الشمس عند طلوعها، وعند غروبها فتكون شرقية غربية تأخذ حظها من الأمرين فيكون زيتها أضوأ، وهذا معنى قول ابن عباس وقيل معناه أنها ليست في مقنأة لا تصيبها الشمس، ولا في مضحاة لا يصيبها الظل فهي لا تضرها شمس ولا ظل وقيل معناه أنها معتدلة ليست في شرق يضرها الحر، ولا في غرب يضرها البرد وقيل معناه هي شامية لأن الشام وسط الأرض، لا شرقي ولا غربي وقيل ليست هذه الشجرة من أشجار الدنيا لأنها لو كانت في الدنيا لكانت شرقية أو غربية، وإنما هو مثل ضربه الله لنوره {يكاد زيتها يضيء} أي من صفائه {ولو لم تمسسه نار} أي قبل أن تمسه النار {نور على نور} أي نور المصباح على نور الزجاجة.
فصل في بيان التمثيل المذكور في الآية:
اختلف أهل العلم في معنى هذا التمثيل، فقيل: المراد به الهدى ومعناه أن هداية الله تعالى قد بلغت في الظهور والجلاء إلى أقصى الغايات، وصار ذلك بمنزلة المشكاة التي فيها زجاجة صافية وفي تلك الزجاجة مصباح يتقد بزيت بلغ النهاية في الصفاء، والرقة والبياض فإذا كان كذلك كان كاملًا في صفائه، وصلح أن يجعل مثلًا لهداية الله تعالى وقيل وقع هذا التمثيل لنور محمد صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس لكعب الأحبار: أخبرني عن قوله تعالى: {مثل نوره كمشكاة} قال كعب: هذا مثل ضربه الله لنبيّه صلى الله عليه وسلم فالمشكاة صدره والزجاجة قلبه والمصباح فيه النبوة توقد من شجرة مباركة هي شجرة النبوة يكاد نور محمد صلى الله عليه وسلم وأمره يتبين للناس ولو لم يتكلم به أنه نبيّ كما يكاد ذلك الزيت يضيء، ولو لم تمسسه نار وروي عن ابن عمر في هذه الآية قال المشكاة: جوف محمد صلى الله عليه وسلم والزجاجة قلبه والمصباح النور الذي جعله الله فيه لا شرقية ولا غربية، لا يهودي ولا نصراني توقد من شجرة مباركة إبراهيم نور على نور قلب إبراهيم ونور قلب محمد صلى الله عليه وسلم: وقال محمد بن كعب القرظي: المشكاة إبراهيم، والزجاجة إسماعيل والمصباح محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين سمى الله محمدًا مصباحًا، كما سماه سراجًا منيرًا والشجرة المباركة إبراهيم عليه السلام لأن أكثر الأنبياء من صلبه لا شرقية ولا غربية، يعني إبراهيم لم يكن يهوديًا ولا نصرانيًا ولكن كان حنيفًا مسلمًا لأن اليهود تصلّي إلى الغرب، والنصارى تصلّي إلى الشرق يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار تكاد محاسن محمد صلى الله عليه وسلم تظهر للناس قبل أن يوحى إليه نور على نور نبي من نسل نبي نور محمد على نور إبراهيم، وقيل وقع هذا التمثيل لنور قلب المؤمن قال أبيّ بن كعب، هذا مثل المؤمن فالمشكاة نفسه، والزجاجة قلبه والمصباح ما جعله الله فيه من الإيمان والقرآن توقد من شجرة مباركة هي شجرة الإخلاص لله وجده فمثله مثل شجرة التف بها الشجر فهي خضراء ناعمة نضرة، لا تصيبها الشمس إذا طلعت ولا إذا غربت فكذلك المؤمن، قد احترس أن يصيبه شيء من الفتن فهو بين أربع خلال إن أعطي شكر وإن ابتلي صبر وإن حكم عدل وإن قال صدق يكاد زيتها يضيء أي يكاد قلب المؤمن يعرف الحق قبل أن يتبين له لموافقته إياه، نور على نور قال أبي: فهو يتقلب في خمسة أنوار قوله نور، وعمله نور ومدخله نور، ومخرجه نور ومصيره إلى النور يوم القيامة وقال ابن عباس: هذا مثل نور الله وهداه في قلب المؤمن كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسسه النار، فإذا مسته النار ازداد ضوءًا على ضوئه كذلك يكاد قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم، فإذا جاءه العلم ازداد هدى على هدى ونور على نور، وقال الكلبي: نور على نور يعني إيمان المؤمن وعمله.
وقيل نور الإيمان ونور القرآن وقيل هذا مثل القرآن فالمصباح هو القرآن فكما يستضاء بالمصباح فكذلك يهتدى بالقرآن والزجاجة قلب المؤمن، والمشكاة فمه ولسانه والشجرة المباركة شجرة المعرفة في قلبه، يكاد زيتها يضيء أي نور المعرفة يشرق في قلب المؤمن، ولو لم يمسسه النار وقيل تكاد حجة القرآن تتضح، وإن لم يقرأ نور على نور يعني القرآن نور من الله لخلقه مع ما أقام لهم من الدلائل والإعلام قبل نزول القرآن فازدادوا بذلك نورًا على نور.
قوله تعالى: {يهدي الله لنوره من يشاء} قال ابن عباس: لدين الإسلام وهو نور البصيرة {ويضرب الله الأمثال للناس} أي يبين الله الأشياء للناس تقريبًا إلى الأفهام، وتسهيلًا لسبيل الإدراك {والله بكل شيء عليم}.
قوله عزّ وجلّ: {في بيوت} أي ذلك المصباح يوقد في بيوت والمراد بالبيوت جميع المساجد بيوت الله في الأرض تضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض وقيل: المراد بالبيوت أربعة مساجد لم يبنها إلا نبي الكعبة بناها إبراهيم وإسماعيل، فجعلاها قبلة، وبيت المقدس بناه داود وسليمان ومسجد المدينة بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسجد قباء أسس على التقوى وبناه رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا {أذن الله أن ترفع} أي تبنى وقيل: تعظم فلا يذكر فيها الخنى من القول وتطهر عن الأنجاس والأقذار {ويذكر فيها اسمه} قال ابن عباس يتلى فيها كتابه {ويسبح له فيها} أي يصلي له فيها {بالغدو والآصال} بالغداة والعشي قال أهل التفسير: أراد به الصلاة المفروضة فالتي تؤدّى بالغداة صلاة الفجر والتي تؤدى بالآصال صلاة الظهر والعصر والعشاءين، لأن اسم الأصيل يقع على هذا الوقت كله وقيل: أراد به الصبح والعصر.
عن أبي موسى الأشعري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال «من صلى صلاة البردين دخل الجنة أراد بالبردين صلاة الصبح، وصلاة العصر» وقال ابن عباس: التسبيح بالغدو صلاة الضحى والآصال صلاة العصر عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه سلم «من خرج من بيته متطهرًا إلى صلاة مكتوبة كان أجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى المسجد إلى تسبيح الضحى لا يعنيه إلا ذاك كان أجره كأجر المعتمر وصلاة على أثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين» أخرجه أبو داود.
{رجال} قيل خص الرجال بالذكر في هذه المساجد، لأن النساء ليس عليهن حضور المساجد لجمعة ولا جماعة {لا تلهيهم} أي لا تشغلهم {تجارة} وقيل خص التجارة بالذكر لأنها أعظم ما يشتغل الإنسان به عن الصلوات، والطاعات وأراد بالتجارة الشراء وإن كان اسم التجارة يقع على البيع والشراء جميعًا، لأنه ذكر البيع بعده وقيل التجارة لأهل الجلب والبيع ما باعه الرجل على يده {ولا بيع} أي ولا يشغلهم بيع {عن ذكر الله} أي حضور المساجد لإقامة الصلوات {وإقام الصلاة} يعني إقامة الصلاة في وقتها لأن من أخر الصلاة عن وقتها لا يكون من مقيمي الصلاة، وروي عن ابن عمر أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة فقام الناس وأغلقوا حوانيتهم، ودخلوا المساجد فقال ابن عمر فيهم نزلت هذه الآية {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة} {وإيتاء الزكاة} يعني المفروضة قال ابن عباس إذا حضر، وقت أداء الزكاة لا يحبسونها {يخافون يومًا تتقلب فيه القلوب والأبصار} يعني أن هؤلاء الرجال، وإن بالغوا في ذكر الله والطاعات فإنهم مع ذلك وجلون خائفون لعلهم بأنهم ما عبدوا الله حق عبادته.
قيل: إن القلوب تضطرب من الهول والفزع وتشخص الأبصار.
وقيل: تتقلب القلوب عما كانت عليه في الدنيا من الشك إلى اليقين وترفع عن الأبصار الأغطية.
وقيل: تتقلب القلوب بين الخوف والرجاء فتخشى الهلاك وتطمع في النجاة، وتتقلب الأبصار من هول ذلك اليوم، من أي ناحية يؤخذ بهم أمن ذات اليمين، أم من ذات الشمال ومن أي يؤتون كتبهم أمن اليمين أم من قبل الشمال؟ وقيل: يتقلب القلب في الجوف، فيرفع إلى الحنجرة فلا ينزل ولا يخرج ويتقلب البصر فيشخص من هول الأمر وشدته {ليجزيهم الله أحسن ما عملوا} يعني أنهم اشتغلوا بذكر الله وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة ليجزيهم الله أحسن ما عملوا والمراد بالأحسن الحسنات كلها وهي الطاعات فرضها ونفلها، وذكر الأحسن تنبيهًا على أنه لا يجازيهم على مساوىء أعمالهم، بل يغفرها لهم وقيل: إنه سبحانه وتعالى يجزيهم جزاء أحسن من أعالمهم، على الواحد من عشرة إلى سبعمائة ضعف {ويزيدهم من فضله} يعني أنه سبحانه وتعالى يجزيهم بأحسن أعمالهم ولا يقتصر على ذلك بل يزيدهم من فضله {والله يرزق من يشاء بغير حساب} فيه تنبيه على كمال قدرته وكمال جوده وسعة إحسانه وفضله.
قوله تعالى: {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة} لما ضرب مثلًا لحال المؤمن وأنه في الدنيا والآخرة في نور، وأنه فائز بالنعيم المقيم، أتبعه بضرب مثل لأعمال الكفار وشبهه بالسراب وهو شبه ماء يرى نصف النهار عند شدة الحر في البراري يظنه من رآه ماء، فإذا قرب منه لم ير شيئًا.
والقيعة القاع وهو المنبسط من الأرض وفيه يكون السراب {يحسبه} أي يتوهمه {الظمآن} أي العطشان {ماء حتى إذا جاء} أي جاء ما قدر أنه ماء وقيل: جاء إلى موضع السراب {لم يجده شيئًا} أي لم يجده على ما قدره وظنه ووجه التشبيه أن الذي يأتي به الكافر من أعمال البر، يعتقد أنه له ثوابًا عند الله وليس كذلك فإذا وافى عرصات القيامة لم يجد الثواب الذي كان يظنه، بل وجد العقاب العظيم والعذاب الأليم فعظمت حسرته، وتناهى غمه فشبه حاله بحال الظمآن الذي اشتدت حاجته إلى الماء، فإذا شاهد السراب في البر تعلق قلبه به فإذا جاءه لم يجده شيئًا فكذلك حال الكافر يحسب أن عمله، نافعه فإذا احتاج إلى عمله لم يجده أغنى عنه شيئًا ولا نفعه {ووجد الله عنده} أي وجد الله بالمرصاد وقيل: قدم على الله {فوفاه حسابه} أي جزاء عمله {والله سريع الحساب} معناه أنه عالم بجميع المعلومات فلا تشغله محاسبة واحد عن واحد.
ثم ضرب للكفار مثلًا آخر فقال تعالى {أو كظلمات} أعلم الله سبحانه وتعالى أن أعمال الكفار إن كانت حسنة، فهي كسراب بقيعة وإن كانت قبيحة فهي كظلمات، وقيل: معناه إن مثل أعمالهم في فسادها، وجهالتهم فيها كظلمات {في بحر لجي} أي عميق كثير الماء ولجة البحر معظمه {يغشاه} أي يعلوه {موج من فوقه موج} أي متراكم {من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض} معناه أن البحر اللجي يكون قعره مظلمًا جدًا بسبب غموره الماء، فإذا ترادفت الأمواج ازدادت الظلمة فإذا كان فوق الأمواج سحاب بلغت الظلمة النهاية القصوى {إذا أخرج يده لم يكد يراها} أي لم يقرب أن يراها لشدة الظلمة وقيل: معناه لم يرها إلا بعد الجهد وقيل: لما كانت اليد من أقرب شيء يراه الإنسان قال: لم يكد يراها، ووجه التشبيه أن الله ذكر ثلاثة أنواع من الظلمات: ظلمة البحر وظلمة الأمواج وظلمة السحاب، وكذلك الكافر له ثلاث ظلمات ظلمة الاعتقاد وظلمة القول وظلمة العمل وقيل: شبه بالبحر اللجي قلبه، وبالموج ما يتغشى قلبه من الجهل والشك والحيرة، وبالسحاب الختم والطبع على قلبه.
قال أبيّ بن كعب: الكافر يتقلب في خمس من الظلم كلامه ظلمة وعمله ظلمة، ومدخله ظلمة ومخرجه ظلمة، ومصيره إلى الظلمات يوم القيامة في النار {ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور} قال ابن عباس من لم يجعل الله له دينًا وإيمانًا، فلا دين له وقيل من لم يهده الله فلا هادي له قيل نزلت هذه الآية في عتبة بن ربيعة بن أمية، كان يلتمس الدين في الجاهلية ولبس المسوح فلما جاء الإسلام كفر وعاند، والأصح أن الآية عامة في حق جميع الكفار.
قوله عزّ وجلّ: {ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات} أي باسطات أجنحتهن في الهواء قيل خص الطير بالذكر من جملة الحيوان لأنها تكون بين السماء والأرض، فتكون خارجة عن حكم من في السموات والأرض {كل قد علم صلاته وتسبيحه} قيل: الصلاة لبني آدم والتسبيح لسائر الخلق وقيل إن ضرب أجنحة الطير صلاته وتسبيحه، وقيل: معناه إن كل مصل ومسبح علم الله صلاته وتسبيحه وقيل معناه كل مصل ومسبح منهم قد علم صلاة نفسه وتسبيحه {والله عليم بما يفعلون ولله ملك السموات والأرض} أي إن جميع الموجودات ملكه وفي تصرفه وعنه نشأت ومنه بدأت فهو واجد الوجود وقيل معناه أن خزائن المطر والرزق بيده ولا يملكها أحد سواه {وإلى الله المصير} أي وإلى الله مرجع العباد بعد الموت.
قوله تعالى: {ألم تر أن الله يزجي} أي يسوق {سحابًا} بأمره إلى حيث يشاء من أرضه وبلاده {ثم يؤلف بينه} أي يجمع بين قطع السحاب المتفرقة بعضها إلى بعض {ثم يجعله ركامًا} أي متراكمًا بعضه فوق بعض {فترى الودق} أي المطر {يخرج من خلاله} أي من وسطه وهو مخارج القطر {وينزل من السماء من جبال فيها من برد} قيل معناه وينزل من جبال من السماء وتلك الجبال من برد.